شبكة اخبار البصرة 

bnn / صلاح بابان

إن القارئ والمتطلع لأحداث تاريخ النضال والكفاح الانساني على مرّ الزمن ، سيجد أنّ للمرأة تاريخ حافل ومليء بالانجازات العظيمة والمهمّة التي حققتها على كافة الأصعدة وفي جميع جوانب الحياة ، جنبا ً إلى جنب مع نظيرها الرجل . كيف لا وهي نصف المجتمع وعماد النصف الثاني . ولم تكن بعيدة عن الحدث بل كانت متابعة جيّدة و بشكل متواصل ، فهي أم الشهيد ، وزوجة المقاتل ، وبنت المكافح ، وهي المناضلة التي قدّمت ربيع شبابها من أجل قضايا المجتمع والانسان خصوصا ً . فأعظم وأنقى انتاج أنتجته هذه الأرض هي المرأة التي أعطت ولازالت تعطي بدون أيّ مقابل يذكر منها ، فهي على مدى التاريخ قدّمت للأرض مبدعيها في شتى مجالات الحياة من مفكرين ومؤرخين ومناضلين وأدباء وحاملي الرسالة الانسانيّة . فهي التي تحمّلت مسؤولية الأسرة في غياب الرجل الذي انشغل بهموم وقضاياه اليوميّة مذ ُ الأزل . ومن خلال هذه المقدّمة المتواضعة سنسرد للقارئ الكريم حياة امرأةمناضلة من الطراز الثقيل ، كان لها الدور الفعال في الحركة النسويّة النضالية في اقليم كوردستان ، مذ النصف الثاني من القرن الماضي . انّها السيّدة ( خه جه كورده ) . هذه السيّدة يشهد التاريخ على بطولاتها ومواقفها النضاليّة خلال مسيرتها الحياتيّة ، ولدت كورده عام 1932 نشأت وترعرعت في مدينة السليمانية ، وفي عام 1948 تزوجت من السيّد أحمد سعيد من محافظة كركوك والذي كان في وقتها نائب ظابط في الجيش العراقي ، ولأنّه كان ذات صلة متينة بالحزب الشيوعي العراقي ، حكم عليه بالسجن لمدة 25 عام من قبل النظام وقتذاك ، وبعد ان قضى خمسة أعوام في السجن ، تمّ الافراج عنه بعد أن شُمل مع مجموعة من المحكومين بالعفو العام . وبعد خروج سعيد من السجن تمّ نفيه الى مدينة البصرة هو وعائلته وعاش هناك لعدة سنوات ، بعدها عاد إلى كركوك . وصارت خه جه كورده على اتصال ٍ مباشر مع اتحاد نساء كوردستان التابع للحزب الديمقراطيالكوردستاني آنذاك، استطاعت من خلال هذا الاتحاد أن تنظم الكثير من النشاطات والفعاليّات الحزبيّة . وفي عام 1970 سكنت السليمانيّة بعد أن صار ارتباطها الحزبي بشكل علني حيث اختارت الجبل للعيش مع عائلتها وزوجها خوفا من اضطهاد السلطة الحاكمة ، وقدلاقت معاناة طويلة أثناء عيشها في جبل وتعرّضت لمخاطر جسيمة كادت أن تؤدي بحياتها لأكثر من مرّة .بعد أن منّ الله عليها بتسعة أولاد وهم كالتالي (نسرين من مواليد 1952 / بروين 1954/روناك 1956/ شوان 1957/كوردستان 1962 / شيرين 1964 / به ريز 1967 /كويستان 1970 / محمد 1972 ) بعد أن نشأوا على حبّ الدفاع والتضحيّة من أجل الأرض والوطن ، التحق ابنها الاكبر شوان بتنظيمات الاتحاد الوطني الكوردستاني السريّة داخل مدينة السليمانيّة عام 1980 وصار أحد الأسماء المهمة داخل التنظيم ، فقد قدّم الكثير من التضحيّات من أجل الخلاص من هذا الظلم ، فكانت كورده مؤيدة له في كل ما يفعل ويقول ، وقد خصّصت ببيتها مقرا ً لأعمال ونشاطات التنظيمات ، فتوافد عليه الكثير من المقاتلين الأشاوس ، فكانت جلّ البيانات تكتب وتصدر من هناك . في ذلك الحين كان ابنها الأكبر شوان أحد طلاب المعهد التقني في كركوك ، فصار ضحيّة صراع بين ابن خالته الذي كان مع مقاتلي البيشمركة مع أحد المنشقين من صفوف البيشمركة يدعى ( أسو قومري ). ففي أحد الأيّام كان شوان مع ابن خالته يسيران سويّة اذ تفاجأ بالمنشق أسو فهرب ابن خالته وبقيّ شوان لوحده فصار أسيرا ً بيد المنشق ، فطلب منه المنشق أن يخبره عن مكان تواجد ابن خالته ليعتقله ، إلا أنّ الثاني رفض ذلك وتهجّم عليه ووصفه بأنه الخائن الذي باع الأرض والوطن ، فكانت النتيجة أن يـُقتل شوان على يد المنشق بمسدسه الشخصي ، فكان يوم 18 / 2 / 1982 هو يوم استشهاد الولد الحنون لخه جه كورده على يد هذا المنشق ، فبكت السماء وانشطرت حزنا ً على هذا الشاب وهو في ربيع شبابه وقد كان مقبلا على الزواج من إحدى الفتيات . فقد أصيبت خه جه كورده بإنتكاسة كبيرة جدا ً ، فقرّرت أن تردّ حق ابنها الشهيد والأخذ بالثأر من هذا المجرم اللعين . استمرت كورده في نضالها المسلح في الجبل وداخل المدينة مع رفاقها المقاتلين . ففي أحد الأيام من عام 1986 ومن باب الصدفة التقت كورده بأحد مناضلي الاتحاد الوطني الكوردستاني والمدعو جلال شاره زورى فأعجبت به كورده وبكفاحه ونضاله من أجل قضيته ومصير أرضه ، فعرضت عليه أن يخطب ابنتها كوردستان ، وافق جلال ، وتمّ عقد القران في نفس اليوم من ذاك العام ، وبعد زواجها بأشهر رُزقت كوردستان بطفل سمته بافيل ولكن للاسف خسرت زوجها الذي استشهد نتيجة تعرضه لقصف من قبل طائرات النظام السابق عندما كان عائدا ً من الجبل إلى المدينة . بعدها هاجرت كوردستان وابنها الى سويسرا فاستقرت هناك . وبعد انتفاضة عام 1991 خرجت خه جه كورده إلى شوارع مدينة السليمانية وتشجع الناس للخروج من بيوتهم للقتال في صفوف البيشمركة لأنّ المدينة على وشك أن تتحرر بشكل كامل من سيطرة النظام البعثي . ويقول أحد مقاتلي البيشمركة القدامى عندما كان أسيرا ً في مقر الأمن العام داخل السليمانية : عندما فتحت عيني رأيت امرأة ذات شعر ٍ أبيض تصرخ وتقول : لقد تحرّر الكورد ، وبعد أن دققت جيدا ً تبيّن لي أنها المناضلة خه جه كورده . وبعد أن تم اسقاط النظام البعثي بشكل كامل في مدينة السليمانية والمحافظات الأخرى في اقليم كوردستان . وبعد أن اطمئنت كورده أن حق ابنها الشهيد والكثير من الشهداء الآخرين عاد بتحرير كوردستان من النظام البعثي البائد . قرّرت عام 1998 أن تهاجر مع ابنها الأصغر محمد إلى السويد حيث استقرت هناك . وقد عادت إلى السليمانية نهاية عام 2014 . ومما تقدّم يتبين لنا مدى التضحيّات العظيمة التي قدّمتها هذه السيّدة هي وعائلتها. فهي سيّدة من سيّدات اقليم كوردستان ، اللاتن وقفن مع الرجال بوجه الظلم والاستبداد على مدى عقودٍ عدّة ، لتحرير أرضهن مهما كان الثمن ، ولم تقل مواقف السيّدة خه جه كورده عن مواقف الرجال المناضلين ، فكلّها ملاحم تضحية وبطولة دفاعا ً عن كوردستان . كانت خه جه كورده امرأة قويّة صاحبة ارادة لا يستهان بها ، كانت لها شخصيتها المميّزة ، يتسم مظرها بالقوة والعزيمة والجرأة ، لا تتنازل عن حقّها مهما كان الثمن ، ضحت وأعطت كثيرا ً . ولكن للأسف في الآونة الأخيرة أصيبت بمرض الزهايمر الذي شلّ كفاحها وعطائها الانساني ، فهي الآن تسكن السليمانية بعد أن عاشت لأكثر من 15 عام في السويد تحت رعاية ابنها الأصغر محمد . الآن ترقد بين أحظان بناتها كطفلة فقدت أمها وأباها . خه جه كورده هذه المرأة والانسانة والمناضلة التي كانت تهز الجبال بعزيمتها واصرارها ، هي الآن كطفلة لا تمتلك أي ذاكرة حسيّة فهي لا تعرف أحدا ً من بناتها ولاأقربائها ولامحبّيها ، فقدت كلّ شيء إلا حبّها لأرضها وقضيّتها . هذا المرض أخذ منها كل شيء حتى صارت كوردة خانها الربيع بعد أن أخذ منها عنفوانها وبريق شبابها . هي الآن بين يدي بناتها تعيش في صومعتهم ولكن واحسرتاه لا تعرفهم ، ولا تتذكر أسمائهن كأنهن لسنا ببناتها لا تربطهن أيّة صلة بها . لكن ما هو مؤسف في هذا الأمر هو أن خه جه كورده كانت على علاقة وطيدة مع الكثير من القيادات الكوردية ، الحزبيّة منها والحكوميّة ، فكان لها الفضل على الكثير منهم ، ففي أحد الأيّام استطاعت أن تنقذ حياة أحدهم من داخل السجن وجعلته طليقا ً بعد أن كانت حياته تحت رحمة الموت ، وبعد أن تسنّم هذا القيادي منصب كبير في الدولة ، نسيّ مواقف كورده معه ، فما عاد يسأل عنها أو يزورها . فهي صاحبة الفضل على الكثير من القيادات الحزبية داخل الاقليم ، لكن أليس من المعيب أن تنكر هذه القيادات الحزبية والحكومية مواقف وبطولات وجولات خه جه كورده معهم ؟؟ أين هم الآن من مواقف كورده ؟ أين هم من عملها الانساني وعطائها و نضالها الحزبي من أجل كرامة سماء كوردستان ودفاعا ً عن مقدّسات أرضها . بعد أن أنكر هؤلاء فضل ومواقف وبطولات خه جه كورده ، وبعد أن اغتالتها الأرض . هل ستغتالها السماء وتنكرها ؟؟؟؟؟


ار اس اس