علاء صابر الموسوي

 

                                                                     مدير مكتب المفوضية الدولية لحقوق الانسان

نظام الوجبات السريعة  والأطباق الجاهزة أصبح نظاما غذائيا سائدا في الكثير من بلدان العالم. بما فيها بلادنا التي تستورد ما يسوقه اﻻخرون. ومن غير تأن ودراسة أحيانا.

(الهمبرغر )... وجبة غذائية  سريعة تحمل حتى في بلدان الشرق الأوسط اسمها الأجنبي  ((الساندويج )) ...وهي مفضلة لدى الكثير من الشبان والفتيات على المائدة البيتية.

من هذا المعنى استل معنى الثقافة الجاهزة والسريعة  (ثقافة الهمبرغر )...إنها الثقافة التي يلتقطها الشبان والفتيات من نشاهد تمثيلية أو لقطات عابرة أو مصطلحات غير ناضجة حتى في أذهان من يتداولونها. ..وماتبثه الأعلانات والدعايات. وماتنشره كتيبات عابثة. ومايطرح في السوق من ألعاب ال (سي دي )وال (دي في دي) وال (بلاي ستيشن ) .التي تزرع ثقافة العنف والأنانية والجنس والمال. على طريقة دس السم بالعسل.

ثقافة تبدو سهلة وسريعة ومتداولة لاتحتاج إلى كثير عناء لتعلمها. بل وتعتبر لدى الكثيرين ثقافة تسلية. فلا يلتفتون إلى رسالة المضمون قدر التفاتهم إلى الأبهار البصري والصوتي.

العقلاء يقولون : الجودة والسرعة قلما يجتمعان. ومانفعله بسرعة لانفعله بأتقان.

والأوقاف الضائعة اليوم أخطر بكثير من الأوقات التي كانت تضيع من قبل ....فثقافة الهمبرغر تستنزف أوقاتنا بطريقة مقننة ومتقنة وعصرية. فلا أحد ....ممن يتعاطاها. ...يشعر أنه يضيع أو يقتل أو يهدر وقتا  !

ونحن هنا نتحدث عن الوقت النوعي بالطبع.

والنتائج التي افرزتها تلك الثقافة الهشة؟

- بفضلها بتنا نعتقد التأني والتريث والتروي في الكثير من أعمالنا وانجازاتنا. وبالتالي فقد افتقدنا الكثير من ممكنات الأبداع والتطور والأدهاش.

محاولة الطيران قبل أن نمتلك أجنحة. ...ليست فاشلة فقط. بل تؤدي في الغالب إلى حوادث مؤسفة. ...وربما كوارث. وقد قيل العنب المقطوف قبل أوانه لن يصنع ولا حتى خلا جيدا  !!

- لم يعد هناك تدبر في العواقب. فالاقبال على شيء جديد نزل إلى السوق يكون بطريقة عمياء أحيانا. فالمأخوذ بالجديد كالمأخوذ بالسحر. ونادرون الذين يتعرفون على مساويء وأضرار مايقتنون.

- في هذا الجو الانفعالي الاستطراقي الذي تهيمن عليه أضواء الدعاية  وبريق الإعلان. والأقبال الجماعي الكثيف. تراجعت مقولات مهمة من قبيل  :(من الأفضل أن تتقدم ببطء على أن تتراجع بسرعة ) .أو من يسير بتأن سوف يصل ...أو عليك أن تقيس سبع مرات قبل أن تقص مرة واحدة.

وغابت كذلك عمليات  (النقد )و (التقييم) و (المراجعة ) و (التأنيب) الذاتي واستشعار قيمة الشيء والأستمتاع به ....

(اللذة ) العاجلة هي المعيار الحاكم والمسيطر. أما كم (الثقافة) و (المعرفة ) و (التجربة ) و (الخبرة ) و (الآداب ) تحصل من ذلك ليس مهما  ... فهذه أمور في نظرة (ثقافة الهمبرغر ) ينبغي أن تتراجع إلى الخط الخلفي.

وبأختصار. فثقافة الهمبرغر مصممة لتحطيم الثقافة الرصينة. ولكن الذين يستسهلون تعاطيها لايشعرون.

إن حبوبا سهلة البلع. ..أو كبسولة مضغوطة للفيتامينات المصنعة لايمكن أن تعوض عن فيتامين واحد طبيعي  .... وهكذا الحال بالنسبة للثقافة  (المسلوقة )أو المقلية. ..أو سريعة التحضير. ...

ولبن الأم أفضل بمرات عديدة من اللبن الصناعي   ....

فليس كل سهل نافع ولا كل شائع مفيد ورائع ولا كل متداول صحيح وصحي. ولا كل مايلمع ذهبا ...ولا كل مايقال في الإعلانات والفضائيات والأنترنت قابل للتصديق.

 

انك عندما تجهل أنك غرض للسهام التي لاتدميك ظاهرا. فقد تتساقط عليك بالجملة وأنت تحسبها حبات مطر ناعمة. وقد لايشعر بها البعض ألبتة. فالمستغرقون في الشيء المنهمكون فيه يغيبون عما حولهم لدرجة الأنقطاع.  !!

ار اس اس