دكتور حسن فلاح محسن الحسيني

                                                                 استاذ القانون الدولي البحري / جامعة بونا – الهند .

تمثل البحار والمحيطات ثلثي مساحة سطح الكرة الارضية وتتمتع بامكانيات هائلة من موارد الثروة السمكية التي تقع ضمن اهتمام المنظمات العالمية وسوق التجارة الدولي ، وتشكل قيمة غذائية استهلاكية كبيرة في ظل الزيادة السكانية وتنامي الوعي الغذائي العالمي . لذا تولي منظمة الأغذية والزراعة العالمية ( فاو ) اهتماما متزايدا بتنمية قطاع الثروة السمكية لما لهذا القطاع الحيوي من أهمية بالغة ومساهمة في اقتصاديات الدول , وهي منظمة متخصصة تابعة للأمم المتحدة تأسست سنة 1945م ، تهدف هذه المنظمة لبذل الجهود الدولية للقضاء على الجوع في العالم. وتضاف الى قائمة هذه الاهتمامات في هذا المجال الحيوي المنظمة العربية للتنمية الزراعية التي تاسست 1970م ، تهدف هذه المنظمة الى المساهمة في إيجاد وتنمية الروابط بين الدول العربية وتنسيق التعاون فيما بينها في شتى المجالات والنشاطات الخاصة بتنمية قطاع الثروة السمكية والزراعية.

ويجدر القول هنا بان جميع الدول تخضع في استغلال الثروة السمكية والصيد البحري لقواعد القانون الدولي البحري وتكلل ذلك الخضوع بعد جهود مضنية وجدال واسع داخل الامم المتحدة مابين الدول حول اقرار قانون البحر ، تكلل ذلك بتوقيع الدول على اتفاقية قانون البحار 1982. وقد وقعت أكثر من مائة من الدول الأعضاء في منظومة الأمم المتحدة على الاتفاقية انذاك .

تعطي هذه الأتفاقية لدول الحقوق القصرية في الصيد في حدود (200( ميل بحري، اي بواقع (380كم) من سواحلها، وفي حدود هاتين المائتي ميل بحري، والتي تسمى المنطقة الاقتصادية الخالصة، يكون لجميع الدول حقوق أعالي البحار الخاصة بالملاحة، والطيران. اصبحت هذه الاتفاقية سارية في عام 1994م وملزمة لجميع الدول الموقعه عليها. ونجد اليوم بان افضل اماكن الصيد الاسماك العالمية تتمركز حول اوربا وقد جاء مركز الصدارة هذا بسبب الحزمة المائية التي تحيط القارة الاوربية بالمحيط الأطلنطي والمحيط القطبي الشمالي والبحر الابيض المتوسط والمتمثل في كل من الدول الاوربية التالية :

• اسبانيا ( جزر الكناري ، ماربيلا ، برشلونة).

• البرتغال ( جزر الازور،ماديرا،كاسكايس).

• فرنسا ( مارتيج،بيوليو سور مير).

• ايطاليا ( صقلية،جزيرة سردينيا).

اما فيما يتعلق باماكن ومصادر صيد الاسماك في الوطن العربي يمكن تقسيمها الى ثلاث مصادر على النحو الاتي :

• مياه الانهار.

• مياه الاودية.

• البحيرات الداخلية (بحيرات السدود والخزانات ).

وتكاد تكون هذه المصادر موجودة في اغلب الدول العربية مع أختلاف اهميتها ، حيث تقع الأنهار الرئيسية في المنطقة العربية الوسطى وفي دول المشرق العربي في العراق ، وسوريا ، ومصر ، والمغرب ،الكويت، السودان وباقي دول العربية. وتوجد أغلب البحيرات في الدول العربية المطلة على البحر الابيض المتوسط . وتقع بحيرات السدود في الاساس في منطقة المغرب العربي .

بلاد مابين النهرين ( العراق )

يقع العراق في الجزء الأوسط من منطقة الشرق الأوسط بين خطي عرض 28،59 حتي 37،20، شمالا ، وبين خطي طول 38.40، -56.40، شرقا . انه يقع على حدود تركيا ، إيران، سوريا، الأردن، المملكة العربية السعودية والكويت. يمتلك العراق في المنطقة الجنوبية متنفسا بحريا يطل على دول الخليج العربي، المتمثلة بمنطقة شط العرب والخليج العربي تعد هذه الاماكن من المراكز الهامة لصيد الاسماك النهرية والبحرية وبالنظر لاتساع مساحتها المائية فان كمية الصيد في هذه المنطقة غالبا ما تكون كبيرة ومتنوعة ولاسيما في منطقة ( الفاو) التي تعتبر من اهم مركز للصيد فيها .

اضافة لهذا المتنفس البحري المطل على دول الخليج العربي يتمتع العراق برقعة مائية داخلية ضخمة تبلغ جملتها حوالي ا،ا مليون هكتار ( حوالي 6،2 مليون فدان ) وتنتشر هذه الرقعة في بيئات مختلفة تشمل نهري دجلة والفرات وروافدهما والخزانات والبحيرات والرقعة المائية بالاهوار ( أو السباحات) علاوة على المزارع السمكية .

تشكل الاهوار 560 الف هكتار اي حوالي 56% من جملة الرقعة المائية الداخلية وتشكل البحيرات والخزانات حوالي 438 الف هكتار اي حوالي 41% وتشكل مجاري الانهار حوالي 36 الف هكتار اي حوالي 3%.

اولى المشرع العراقي في مطلع القرن العشرين اهتماما منقطع النظير بالقوانين والتشريعات التي تنظم الصيد البحري في العراق ، ففي 14 من شهر مارس عام 1938 صدر قانون الصيد رقم (57) لسنة 1938، حيث نص بمقتضاه على مجموعة من الضوابط لصيد كافة انواع الاسماك والحيوانات الكائنة في البحر والانهار والاهوار ، وفرض قبال ذلك مجموعة من العقوبات الجزائية لمخالفي احكام ذلك القانون .

واعقب ذلك بقانون صيد الاحياء المائية وحمايته رقم (32) لسنة 1965والذي بدوره منع استعمال الشباك الخاصة بصيد الاسماك التي يقل طول ضلع اية فتحة منا عن 6.5 سم في صيد الاسماك حفظا للثروة السمكية والمخالف يعاقب وفق احكام المادة الثالثة والعشرين من القانون المذكور. بعد ذلك صدر قانون تنظيم صيد واستغلال الاحياء المائية وحمايتها رقم (48) لسنة 1976 لمعالجة النواقص والثغرات الموجودة في قانون صيد الاحياء المائية وحمايته رقم (32) لسنة 1965 التي برزت من خلال تطبيقه . فقد شرع هذا القانون . وكل هذه القوانين كانت معززة بمجموعة من التعليمات والقرارات مجلس قيادة التثورة المنحل لحماية وتنمية الثروة السمكية وأدامتها وانتاجها واستهلاكها وتصديرها في السوق المحلية والدولية .

نستنتج من خلال هذه التشريعات القانونية واثار تطبيقها على مر السنوات الماضية ، ان نجاح وتطوير المصائد العراقية وتوفير المتطلبات الكفيلة لتحقيق الاهداف المرجوه في هذا القطاع الحيوي لا يتوقف على الجانب التشريعي فقط ، بل يعتمد في الدرجة الاساس على حجم المؤسسات التي تعنى بمثل هذا النشاط والتي يجب ان تتمتع بكفاءة وتنظيم متقدم وادارة متناسقة مع وضع خطط واقعية لتطوير هذا القطاع، تتمشى مع الامكانيات المتاحة لهذا القطاع وادارته والطاقات البشرية المتوفرة ، او التي يمكن توفيرها ، القادرة على ادارته .

وقد أوكل هذا الاختصاص انذاك في العراق الى الشركة العامة للاسماك كاحدى الشركات تتبع المؤسسة العامة للتنمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة ، وقد تأسست في عام 1970 . برز هذا القطاع الحيوي في السنوات المنصرمة مابين 75/1979 في اطار الخطة الخماسية للتنمية القومية للمؤسسة والمقترح للشركة العامة للاسماك.

دأب العراق في تلك المرحلة منذ اليوم الاول للتأسيس على شراء السفن البحرية ومراكب الصيد التخصصية لزيادة المنتج القومي للثروة السمكية على الصعيدين الصيد النهري والبحري . امتلك العراق انذاك قرابة٦ سفن صغيره و 8 سفن صيد بحرية متوسطة الحجم نوع ( SRTMK) تصطاد في شمال المحيط الهندي وكانت الرحلة البحرية الواحدة تستغرق ما بين (30-35) يوما ذهابا وايابا ، تحتوي هذه السفن المتوسطة على اماكن مخصصة لحفظ اسماك الصيد البحري سعة الثلاجة تتراوح مابين (180-200) طن بطاقم بحري متخصص يتراوح مابين ( 22-36) شخص حسب درجة التهيل للطاقم وكانت هذه السفن البحرية بطول (54) متر وعرض(9) امتار . حيث كانت تعمل تلك السفن المتوسطه في سواحل باكستان والخليج العربي.

اعتمد العراق خلال هذه الفترة على مبداء الشراكة الدولية في تنمية اقتصاد الثروة السمكية ودخول سوق التجارة الدولية وتأسيس الشركات العراقية الاجنبية لصيد الاسماك البحرية على سبيل المثال ( شركة الرافدين ) وهي من الشركات المختلطة باسهم عراقية روسية يتم تقاسم الارباح فيها بنسبة 51% للمساهم العراقي 49% للمسهام الروسية والتي تمتلك مجموعة كبيرة من سفن الصيد الكبيرة نوع (BMRT) التي تصطاد في اعالي البحار في جنوب شرق الاطلسي مقابيل جنوب غرب افريفا وايضا وسط شرق الاطلسي المقابل للمناطق الساحلية لمروتناتيا . ان الطاقة الانتجاية لهذه السفن الكبيرة تتراوح مابين (600-650) طن من غير اسماك (الفش ميل) 250 طن ، باطوال واحجام وموصفات فنية مختلفة . امتلك العراق 3 سفن بحرية كبيرة بطول 104 متر وعرض 18 متر . وكان الاسطول المتواجد في المحيط يدار من جزر الكناري بأعتبارها المنطقه اللوجستيه وكانت هناك ادارة مشتركة للسفن الكبيره بين العراق والاتحاد السوفيتي . وبحلول عام ١٩٨٨ بدأ هذه الثروه ب التلاشي فلم يبقى من هذه الاسطول البحري سوى سفينة واحدة الساحل العربي في مرسى ابي الخصيب منطقه الصنكروهي خارجة عن العمل .

تعقيبا على كلام وزير النقل العراقي الكابتن كاظم فنجان الحمامي نعم كانت السفن العراقية تبحر من موانئ البصرة الى جزر الكناري، كان للعراق انذاك ممثل عن شركة الرافدين بتوجيه من شركة سوفسبان الروسية في لاس بالماس اكبر مدن جز الكناري حيث تعتبر محطة لوجستية .

اليوم وعلى الرغم من كل المنافذ النهرية والبحرية، التي يملكها العراق لصيد الأسماك، ولكن هناك انخفاض في مستوى الصيد وفي معدل نصيب الفرد من الاستهلاك ناهيك عن الانتاج والتصدير ويرجع ذلك إلى جملة أمور منها ضعف الاستثمار، ووقف الدعم الحكومي، وانقراض وبيع الاسطول البحري العراقي المتخصص بصيد الاسماك البحرية ، انخفاض كمية المياه وارتفاع نسبة الملوحة ونسبة التلوث في المياه ، استخدام وسائل وطرق بدائية في الصيد النهري او البحري على حدا سواء ، ضعف القوانين والتشريعات، وسياسة الإغراق الأسواق بالمنتجات المستوردة.

نأمل للعراق يوما ان يعاد بناءه وتزدهر مؤسساته وتوظف موارده وثرواته في بناء اقتصاده ....ويكون في مصافي الدول الكبرى المنتجة .........ومن الاقتصاديات الصاعدة .

 

ار اس اس